الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
إن المسلمة التقية التي امتلأ قلبها بحب الله تعالى وعينها دائمًا على جنة ربها هي التي يهون عندها كل شيء في سبيل الله تعالى، أو إلا فمن قال لك: أنك ستدخلين الجنة دون أي ابتلاء.س: ولكن المرأة إذا ارتدت الحجاب تشعر أنها شاذةٌ في وسط مجتمع يعمه التبرج؟ج: هذا كلامٌ غير صحيح، فهناك نسبة كبيرة من المحجبات، ثم إن مخالفة الباطل والتمسك بالحق ليس بشذوذ بل هو الحق والصواب. وأهل الباطل أولى بأن يوصفوا بالشذوذ.س: ولكن الناس تقول: إن الحجاب شكله مخيف يخيف الصغار ويقولون: المحجبات عفاريت؟ج: إن الذين يطلقون هذه الأقوال هم أهل الباطل والضلال، ليصدوا عن دين الله ويصرفوا النساء عن الحجاب والعفة فلا تلتفتي أختاه لقولهم.وإن أصابك شيءٌ من كلامهم فاصبري واحتسبي الأجر، وتذكري من سبقنك على طريق الحق.س: ولكن أكثر النساء اليوم متبرجات والعبرة بالكثرة؟ج: إن الاعتبار بالكثرة مصيبة، لو اعتمدنا عليه لهلكنا جميعًا، فهل لو كانت الأكثرية تسير في طريق الفاحشة نسير معها.وهل الحجاب الذي فرضه الله على النساء يُعتبر لاغيًا ومرفوضًا لأن أكثر النساء متبرجات؟ ثم لو تدبرنا الآيات التي ذكرت فيها الكثرة في القرآن، والآيات التي ذكرت فيها القلة نجد أن أهل الحق هم القلة.قال عز وجل عن الكثرة: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 78] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: 38] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] بينما نجد القلة هم أهل الإيمان والصلاح.قال عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].س: ولكن هناك بعض من النساء الفاسدات أو السارقات يتسترن خلف الحجاب والنقاب؟ج: أنت قلت يتسترن، فهم ليسوا من المحجبات أو المنقبات الحقيقيات، وليس معنى أن هناك بعض من يستغل الحجاب استغلالًا سيئًا أن جميع المحجبات سيئات، فمثلًا لو أن رجلًا أكل طعام وأصابه منه تسمم فليس معنى هذا أن جميع الأطعمة مسممة، ولو أن طبيبًا فعل فعلًا لا يتماشى مع آداب مهنته فليس معنى ذلك أن كل الأطباء على شاكلته.س: لو ذكرت لنا بعض الكتب التي يمكن الرجوع إليها في مسائل حول الحجاب وتغطية الوجه؟ج: هناك الكثير من الكتب والصنفات منها:عودة الحجاب- للشيخ محمد إسماعيل المقدم.رسالة الحجاب- للشيخ محمد بن صالح العثيمين.حجاب المرأة المسلمة- للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. اهـ.
.تفسير الآيات (32- 34): قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}..مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما تقدم سبحانه إلى عباده في الأمور العامة للأحوال والأشخاص في الزنى وأسبابه، فحكم وقرر، ووعظ وحذر، أتبعه أسباب العصمة التي هي نعم العون على التوبة فقال مرشدًا: {وأنكحوا الأيامى} مقلوب أيايم جمع أيم، وزن فعيل من آم، عينه ياء، وهو العزب ذكرًا كان أو أنثى أو بكرًا {منكم} أي من أحراركم، وأغنى لفظ الأيم عن ذكر الصلاح لأنه لا يقال لمن قصر عن درجة النكاح {والصالحين} أي للنكاح {من عبادكم وإمائكم} أي أرقائكم الذكور والإناث، احتياطًا لمصالحهم وصونًا لهم عن الفساد امتثالًا لما ندب إليه حديث تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.ولما كان للزواج كلف يهاب لأجلها، لما طبع الآدمي عليه من الهلع في قلة الوثوق بالرزق، أجاب من كأنه قال: قد يكون الإنسان غير قادر لكونه معدمًا، بقوله: {إن يكونوا} أي كل من ذكر من حر أو عبد، والتعبير بالمضارع يشعر بأنه قد يكون في النكاح ضيق وسعة {فقراء} أي من المال {يغنهم الله} أي الذي له الكمال كله، إذا تزوجوا {من فضله} لأنه قد كتب لكل نفس رزقها فلا يمنعكم فقرهم من إنكاحهم، وعن ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: أطيعوا الله فيما أمركم من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى.وقال البغوي: قال عمر رضي الله عنه: عجبت لمن يبتغي الغنى في بغير النكاح- وقرأ هذه الآية.وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: التمسوا الغنى في النكاح، وتلا هذه الآية ابن جرير.ولأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله ويؤيده ما في الصحيح من حديث الواهبة نفسها حيث زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لم يجد ولا خاتمًا من حديد.ولما كان التقدير: فالله ذو فضل عظيم، عطف عليه قوله: {والله} أي ذو الجلال والإكرام {واسع عليم} أي فهو بسعة قدرته يسوق ما كتبه للمرأة على يد الزوج، وبشمول علمه يسبب أسبابه.ولما أمر سبحانه بما يعصم من الفتنة من غض البصر ثم بما يحصن من النكاح، وجرًا عليه بالوعد بالإغناء، وكان هذا الوعد فيما بعد النكاح، وقدم الكلام فيه ترغيبًا للإنسان في التوكل والإحصان، وكان قلبه ما قد يتعذر لأجله إما بعدم وجدان المهر وما يطلب منه تقديمه، أو بعدم رضى العبد وغيره يكون ولده رقيقًا أو غير ذلك، أتبعه قوله حاثًا على قمع النفس الأمارة عند العجز: {وليستعفف} أي يبالغ في طلب العفة وإيجادها عن الحرام {الذين لا يجدون نكاحًا} أي قدرة عليه وباعثًا إليه {حتى يغنيهم الله} أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {من فضله} في ذلك الذي تعذر عليهم النكاح بسببه.ولما كان من جملة الموانع كما تقدم خوف الرق على الولد لمن له من الرقيق همة علية، ونفس أبية، أتبعه قوله: {والذين يبتغون} أي يطلبون طلبًا عازمًا {الكتاب} أي المكاتبة {مما ملكت أيمانكم} ذكرًا كان أو أنثى؛ وعبر ب ما إشارة إلى ما في الرقيق من النقص {فكاتبوهم} أي ندبًا لأنه معاوضة تتضمن الإرفاق على ما يؤدونه إليكم منجمًا، فإذا أدوه عتقوا {إن علمتم فيهم خيرًا} أي تصرفًا صالحًا في دينهم ودنياهم لئلا يفسد حالهم بعد الاستقلال بأنفسهم؛ قال ابن كثير: وروى أبو داود في كتاب المراسيل عن يحيى ابن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلًا على الناس انتهى.ولعله عبر بالعلم في موضع الظن لذلك {وءاتوهم} وجوبًا إذا أدوا إليكم {من مال الله} أي الذي عم كل شيء بنعمته، لأنه الملك العظم {الذي آتاكم} ولو بحط شيء من مال الكتابة.ولما أمر سبحانه بالجود في أمر الرقيق تارة بالنفس، وتارة بالمال، نهاهم عما ينافيه فقال: {ولا تكرهوا فتياتكم} أي إماءكم، ولعله عبر بلفظ الفتوة هزًا لهم إلى معالي الأخلاق، وتخجيلًا من طلب الفتوة من أمة {على البغاء} أي الزنى لتأخذوا منهن مما يأخذنه من ذلك.ولما كان الإكراه على الزنى لا يصح إلا عند العفة، وكان ذلك نادرًا من أمة، قال: {إن} بأداة الشك {أردن تحصنًا} وفي ذلك زيادة تقبيح للإكراه على هذا الفعل حيث كانت النساء مطلقًا يتعففن عنه مع أنهن مجبولات على حبه، فكيف إذا لم يمنعهن مانع خوف أو حياء كالإماء، فكيف إذا أذن لهن فيه.فكيف إذا ألجئن إليه، وأشار بصيغة التفعل وذكر الإرادة إلى أن ذلك لا يكون إلا عن عفة بالغة، وزاد في تصوير التقبيح بذكر علة التزام هذا العار في قوله: {لتبتغوا} أي تطلبوا طلبًا حثيثًا فيه رغبة قوية بإكراههن على الفعل الفاحش {عرض الحياة الدنيا} فإن العرض متحقق فيه الزوال، والدنيا مشتقة من الدناءة.ولما نهى سبحانه عن الإكراه، رغب الموالي في التوبة عند المخالفة فيه فقال: {ومن يكرههن} دون أن يقول: وإن أكرهن، وعبر بالمضارع إعلامًا بأن يقبل التوبة ممن خالف بعد نزول الآية، وعبر بالاسم العلم في قوله: {فإن الله} إعلامًا بأن الجلال غير مؤيس من الرحمة، ولعله عبر بلفظ بعد إشارة إلى العفو عن الميل إلى ذلك الفعل عند مواقعته إن رجعت إلى الكراهة بعده، فإن النفس لا تملك بغضه حينئذ، فقال: {من بعد إكراههن غفور} أي لهن وللموالي، يستر ذلك الذنب إن تابوا {رحيم} بالتوفيق للصنفين إلى ما يرضيه.ولما أتم سبحانه هذه الآيات في براءة عائشة رضي الله عنها ومقدماتها وخواتيمها، قال عاطفًا على قوله أولها {وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون}: {ولقد أنزلنا} أي بما لنا من العظمة ترغيبًا لكم وترهيبًا {إليكم} أي لتتعظوا {آيات مبينات} مفصل فيها الحق من الباطل، موضح بالنقل والعقل بحيث صارت لشدة بيانها تبين هي لمن تدبرها طرق الصواب كما أوضحنا ذلك لمن يتدبره في براءة عائشة رضي الله تعالى عنها وما تقدمها وتتبعها مما هو صلاحكم في الدين والدنيا {ومثلًا} أي وشبهًا بأحوالكم {من الذين خلوا من قبلكم} أي من أحوالهم بما أنزل الله إليهم في التوراة في أحوال المخالطة والزنى وقذف الأبرياء كيوسف ومريم عليهما السلام وتبرئتهم كما قدمت كثيرًا منه في سورة المائدة وغيرها مما صار في حسن سبكه في هذا الكتاب، وبديع حبكه عند أولي الألباب، كالأمثال السائرة، والأفلاك الدائرة {وموعظة للمتقين} بما فيه من الأحكام والفواصل المنبئة عن العلل المذكرة بما يقرب من الله زلفى، وينور القلب، ويوجب الحب والألفة، ويذهب وحر الصدر. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}.الحكم الثامن: ما يتعلق بالنكاح:اعلم أنه تعالى لما أمر من قبل بغض الأبصار وحفظ الفروج بين من بعد أن الذي أمر به إنما هو فيما لا يحل، فبين تعالى بعد ذلك طريق الحل فقال: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} وهاهنا مسائل:المسألة الأولى:قال صاحب الكشاف الأيامى واليتامى أصلهما أيايم ويتايم فقلبا، وقال النضر بن شميل الأيم في كلام العرب كل ذكر لا أنثى معه وكل أنثى لا ذكر معها، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية الضحاك، تقول: زوجوا أيامكم بعضكم من بعض، وقال الشاعر:المسألة الثانية:قوله تعالى: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى} [النور: 32] أمر وظاهر الأمر للوجوب على ما بيناه مرارًا، فيدل على أن الولي يجب عليه تزويج مولاته وإذا ثبت هذا وجب أن لا يجوز النكاح إلا بولي، إما لأن كل من أوجب ذلك على الولي حكم بأنه لا يصح من المولية، وإما لأن المولية لو فعلت ذلك لفوتت على الولي التمكن من أداء هذا الواجب وأنه غير جائز، وإما لتطابق هذه الآية مع الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قال أبو بكر الرازي هذه الآية وإن اقتضت بظاهرها الإيجاب إلا أنه أجمع السلف على أنه لم يرد به الإيجاب، ويدل عليه أمور: أحدها: أنه لو كان ذلك واجبًا لورد النقل بفعله من النبي صلى الله عليه وسلم ومن السلف مستفيضًا شائعًا لعموم الحاجة إليه، فلما وجدنا عصر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأعصار بعده قد كان في الناس أيامى من الرجال والنساء، فلم ينكروا عدم تزويجهن ثبت أنه ما أريد به الإيجاب وثانيها: أجمعنا على أن الأيم الثيب لو أبت التزوج لم يكن للولي إجبارها عليه وثالثها: اتفاق الكل على أنه لا يجبر على تزويج عبده وأمته وهو معطوف على الأيامى، فدل على أنه غير واجب في الجميع بل ندب في الجميع ورابعها: أن اسم الأيامى ينتظم فيه الرجال والنساء وهو في الرجال ما أريد به الأولياء دون غيرهم كذلك في النساء والجواب: أن جميع ما ذكرته تخصيصات تطرقت إلى الآية والعام بعد التخصيص يبقى حجة، فوجب أن يبقى حجة فيما إذا التمست المرأة الأيم من الولي التزويج وجب، وحينئذ ينتظم وجه الكلام.
|